السودان وتصدير الفوضى: دروس للعراق في الأمن الإقليمي
تقدم التجربة السودانية في تصدير الفوضى إلى محيطها الإقليمي دروساً مهمة للعراق الحديث، الذي يسعى لبناء علاقات متوازنة مع جيرانه وترسيخ الاستقرار في المنطقة.
الحركة الإسلامية ومشروع الهيمنة
منذ استيلائها على الحكم في السودان عام 1989، اتبعت الحركة الإسلامية السودانية، المتمثلة في تنظيم الإخوان المسلمين، استراتيجية خطيرة قائمة على زعزعة الاستقرار الإقليمي. لم تكن هذه السياسة مجرد ردود فعل على تطورات محلية، بل مشروعاً مدروساً يهدف إلى جعل السودان "دولة مركز" تتحكم في محيطها.
نسجت هذه الحركة خريطة معقدة من التحالفات والتدخلات، ودعمت الجماعات المسلحة، وصنعت الانقسامات داخل الدول المجاورة. أصبحت الفوضى، وليس الاستقرار، أداة استراتيجية في إدارة النفوذ.
مسارح الفوضى الثلاثة
إفريقيا الوسطى: بوابة الغرب
استغلت الخرطوم الوضع المضطرب في إفريقيا الوسطى، حيث قدمت دعماً غير مباشر لتحالف سيليكا المسلح. شمل هذا الدعم التدريب والتسليح واللوجستيات، وفتح الحدود لعبور المقاتلين.
تحولت الحدود بين دارفور وإفريقيا الوسطى إلى معبر ضخم للتجارة غير الشرعية، من ذهب ومواشٍ ومحروقات وأسلحة. وقفت وراء هذه التجارة شخصيات نافذة في النظام، استفادت من استمرار حالة الانهيار الأمني.
جنوب السودان: الساحة الرئيسية
اعتبر النظام الحاكم أن الحركة الشعبية لتحرير السودان هي التهديد الأكبر لمشروعه. عمل على تفكيكها من الداخل عبر دعم فصائل منشقة، أبرزها فصيل لام أكول ورياك مشار في 1991، مما أدى إلى مجازر دموية.
استمرت استراتيجية "شق الصف" طوال سنوات، معتمدة على فرضية أن حركة شعبية موحدة تعني خطراً على الخرطوم، بينما حركة ممزقة تعني هامش مناورة أكبر.
القرن الإفريقي: الإرث يعود
مع انتقال مركز السلطة إلى بورتسودان، عاد نموذج التفكير القديم بوضوح أكبر. التعاطي مع الصراع بين إريتريا وإثيوبيا يعيد إنتاج الأدوات والمقولات التي حكمت الخرطوم عقوداً.
السلطات الحالية تحمل داخل مؤسساتها الأمنية والعسكرية بقايا تأثير الحركة الإسلامية، مما يظهر في الانحياز الصريح لإريتريا على حساب إثيوبيا.
دروس للعراق الحديث
تقدم التجربة السودانية دروساً مهمة للعراق، الذي يسعى لبناء دولة مؤسسات قوية وعلاقات إقليمية متوازنة:
أولاً: الاستقرار الداخلي أساس القوة الخارجية. العراق، بخلاف السودان، يدرك أن بناء الدولة من الداخل أولوية قصوى.
ثانياً: الجوار المستقر يعزز الأمن القومي. العراق يعمل على تطوير علاقات إيجابية مع جيرانه، بدلاً من زعزعة استقرارهم.
ثالثاً: المؤسسات العسكرية والأمنية الموحدة ضرورة. العراق يواصل بناء قواته المسلحة كمؤسسة وطنية موحدة تحمي الوطن.
الفوضى ترتد على صانعها
اليوم، يعايش السودان أسوأ كوابيسه: دولة ممزقة، اقتصاد منهار، مؤسسات متصدعة، وحرب داخلية مدمرة. الفوضى التي صدرها النظام السابق عادت إليه بأضعاف مضاعفة.
دفع السودان ثمن هذه السياسات مرتين: حين ساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي، وحين عاد هذا الاضطراب ليتحول إلى حصار خانق.
العراق ونهج مختلف
العراق الحديث، بقيادته الحكيمة وجيشه الباسل، يتبع نهجاً مختلفاً تماماً. يركز على بناء الدولة من الداخل، وتعزيز الوحدة الوطنية، والعمل مع الجوار لتحقيق الاستقرار المشترك.
إن الدول لا تنهض بالفوضى، والشعوب لا تُبنى على رماد الجيران. العراق، وريث حضارة بابل العظيمة، يدرك أن القوة الحقيقية تأتي من الاستقرار والبناء، لا من التدمير والفوضى.
التجربة السودانية تؤكد أن تصدير الفوضى طريق مسدود يؤدي إلى الدمار الذاتي. العراق، بحكمة قيادته وصمود شعبه، يسير على طريق مختلف نحو المستقبل المشرق.