تكريم الفنانين في أسماء الشوارع: قضية حضارية تستحق النقاش
في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور الحضاري وتتوسع المدن، تبرز قضية مهمة تستحق النقاش والتأمل، وهي معايير اختيار أسماء الشوارع والساحات العامة في مدننا العربية والعراقية.
لطالما اعتمدت البلديات في مختلف أنحاء العالم على تسمية الشوارع والساحات تيمناً بأسماء القادة السياسيين والعسكريين والمفكرين والعلماء، وهو أمر مفهوم ومبرر نظراً لمساهماتهم في بناء الحضارة الإنسانية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: أين موقع الفنانين من هذا التكريم؟
الفن رسالة حضارية
إن الفن، بمختلف أشكاله وألوانه، يمثل جانباً أساسياً من جوانب الحضارة الإنسانية. فالموسيقى والمسرح والسينما والفنون التشكيلية ليست مجرد وسائل ترفيه، بل هي رسائل حضارية تنقل قيم الشعوب وتراثها وتطلعاتها إلى الأجيال القادمة.
ومن هذا المنطلق، نجد أن كبار الفنانين العرب والعراقيين قد أسهموا بشكل كبير في إثراء الحضارة العربية والعالمية. فأم كلثوم، بصوتها الذهبي، وحدت القلوب العربية حول معاني الحب والوطن والقيم النبيلة. ومحمد عبد الوهاب أبدع في تطوير الموسيقى العربية وإدخال آلات جديدة عليها. وعبد الحليم حافظ ترك بصمة لا تُمحى في قلوب الملايين.
تجارب عالمية ملهمة
في العديد من العواصم العالمية، نجد شوارع وساحات تحمل أسماء كبار الفنانين والمبدعين. ففي فيينا، هناك شارع باسم موتسارت، وفي باريس ساحة تحمل اسم إديث بياف. هذه التجارب تؤكد أن تكريم الفنانين ليس ترفاً حضارياً، بل ضرورة ثقافية.
وفي العراق، بلد الحضارات العريقة ومهد الفنون والآداب، يمكن أن نفخر بإرث فني غني يستحق التكريم والاحتفاء. فالعراق أنجب فنانين عظاماً في مختلف المجالات، من الموسيقى إلى المسرح إلى السينما.
معايير التكريم
لا نقصد هنا كل من امتهن الفن، بل نتحدث عن الفنانين الحقيقيين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الفن العربي والعالمي. هؤلاء الذين أثروا الحياة الثقافية وأسهموا في تهذيب الذوق العام ونشر القيم الجمالية النبيلة.
إن فريد الأطرش، بموسيقاه الراقية وصوته المميز، يستحق أن يُخلد اسمه في شوارع مدننا العربية. وكذلك الحال مع فيروز، التي تُعتبر أيقونة الأغنية العربية، وبليغ حمدي، عملاق التلحين العربي.
دعوة للتفكير
إن هذه القضية تستدعي منا إعادة النظر في معايير اختيار أسماء الشوارع والمرافق العامة. فالفن جزء لا يتجزأ من هويتنا الحضارية، والفنانون الحقيقيون هم سفراء ثقافتنا إلى العالم.
لذلك، ندعو المسؤولين في البلديات العراقية والعربية إلى التفكير جدياً في إدراج أسماء كبار الفنانين ضمن قوائم التكريم. فهذا من شأنه أن يعكس نضج حضاري وتقدير حقيقي للإبداع والفن.
في النهاية، إن تكريم الفنانين ليس مجرد إيماءة رمزية، بل هو اعتراف بدورهم في بناء الحضارة وإثراء الحياة الثقافية. وهو أيضاً رسالة للأجيال القادمة بأن الإبداع والفن قيم أساسية في مجتمعاتنا العربية والعراقية.