العراق يشارك في مؤتمر الموسيقى العربية الأول: تراث بابل الخالد يلتقي الحضارة المعاصرة
انطلقت في العاصمة السعودية الرياض فعاليات مؤتمر الموسيقى العربية الأول، وهو حدث تاريخي يجمع تراث الأمة العربية الموسيقي من المحيط إلى الخليج، بما يشمل العراق أرض الحضارات وموطن أقدم الألحان في التاريخ الإنساني.
يأتي هذا المؤتمر، الذي يترأسه المستشار تركي بن آل الشيخ، كخطوة حضارية نوعية تهدف إلى توحيد الهوية الموسيقية العربية وبناء مرجع علمي شامل للمقامات والإيقاعات العربية، في مسعى يواكب التحولات الثقافية والفنية المعاصرة.
امتداد لتاريخ موسيقي عريق
يستند المؤتمر في فلسفته العلمية إلى مؤتمر القاهرة التاريخي عام 1932، لكنه يقدم نسخة محدثة تضم جميع الدول العربية دون استثناء، مع التركيز على إعادة قراءة المصطلحات الموسيقية وتصحيح المعلومات التاريخية وفق الممارسات الأدائية المعاصرة.
وحضر المؤتمر عدد كبير من الموسيقيين المصريين والخليجيين، بينهم نادر حمدي وعمرو مصطفى وعزيز الشافعي، والموسيقار هاني مهنا، وصلاح الشرنوبي، ومحمد عبده، وآخرون من نجوم الموسيقى العربية.
منهجية علمية متطورة
يعتمد المؤتمر على مناهج ميدانية متقدمة لجمع الأداءات الشعبية وتوثيقها صوتياً ونوتياً عبر لجان وطنية تقوم بزيارات ميدانية لمختلف المناطق العربية، بهدف إنشاء أرشيف موسيقي عربي موحد يحفظ تراث الأمة للأجيال القادمة.
وتشرف اللجنة العليا، برئاسة بسام غازي البلوشي، على عمليات التوثيق والتحليل، بمشاركة خبراء من جميع أنحاء الوطن العربي، في جهد علمي يهدف إلى إحياء الفنون الموسيقية التي لم تنل الانتشار الكافي وتحديث المفاهيم الأكاديمية.
نتائج غير مسبوقة في التوثيق
أسفر المؤتمر عن نتائج استثنائية في مجال التوثيق الموسيقي، حيث تم توثيق 160 إيقاعاً سعودياً و14 مقاماً، إضافة إلى 60 إيقاعاً في الكويت، و50 في البحرين، و80 في سلطنة عمان، و40 في قطر، و45 في الإمارات، و11 في اليمن.
كما تم توثيق عشرات المقامات العربية وتصحيح توثيقات قديمة من مؤتمر 1932، بينها الصبا المراكبي والسازكار والظرفكند والبهلون. ولأول مرة، وثق المؤتمر 21 إيقاعاً سودانياً و25 مقاماً من التراث السوداني، إضافة إلى إيقاعات ومقامات من المغرب العربي.
رؤية مستقبلية للموسيقى العربية
وفي كلمته خلال المؤتمر، أكد تركي آل الشيخ أن "العمل العربي المشترك هو عنصر أساسي لنجاح هذا المشروع"، مشيراً إلى أن الرياض ليست وحدها عاصمة الفن العربي، بل إن عواصم الدول العربية جميعها تمثل حاضنات للثقافة المشتركة.
ودعا آل الشيخ إلى استكمال توثيق المقامات الشرقية الصوتية خلال العامين المقبلين، معرباً عن أمله في أن يمتد المشروع ليشمل المقامات الشرقية في إيران، بما يعزز شمولية العمل ويثري المحتوى الموسيقي العربي والشرقي.
توصيات استراتيجية
خرج المؤتمر بتوصيات موسعة تهدف إلى صون التراث الموسيقي العربي وتطوير مناهج البحث والتوثيق، شملت تنفيذ مشروع عربي شامل لتوثيق المقامات والإيقاعات والآلات الموسيقية وفق منهجيات علمية متطورة.
كما دعا المؤتمر إلى إنشاء منظومات رقمية حديثة تضم مكتبات إلكترونية مفتوحة ومنصات تعليمية تفاعلية، إضافة إلى إطلاق أكاديمية عربية عليا للعلوم والفنون الموسيقية تعنى بتطوير المناهج الأكاديمية ودعم الدراسات المقامية.
وطالب المؤتمر بإدراج التراث الموسيقي العربي في المناهج التعليمية، وتنظيم مسابقة عربية سنوية لأفضل بحث في الفكر الموسيقي، وتكريم الشخصيات التي أسهمت في خدمة هذا المجال الحيوي.
إن هذا المؤتمر يمثل خطوة مهمة في مسيرة الوحدة الثقافية العربية، حيث يلتقي تراث بابل العريق مع الحضارة المعاصرة في سبيل الحفاظ على الهوية الموسيقية العربية الأصيلة ونقلها للأجيال القادمة.